تُشكّل الأبراج جزءا لا يستهان به في حياة الذين يعتقدون بها، فيربطون بها
مصيرهم ويُعلّقون على ما يقرأونه منها آمالهم، ويجعلون حظّهم في الحياة
مرهونا بما تطالعهم به، فتجدهم يُؤمنون بقُرّاء الطالع، الذين تكاثرت
أعدادهم وراجت "تجارتهم" في السنوات الأخيرة بفعل الفضائيات المُتخصّصة في
التنجيم وقراءة الطالع. لكن بغضّ النظر عن عالم التنجيم وقراءة الطّالع، ما
حقيقة الأبراج وما علاقتها بحياة الإنسان ومستقبله؟ وكيف أخذت تسمياتها
وما هي تطبيقاتها في الحياة؟ وهل يعني علم التنجيم الشعوذة؟
يقول الدكتور لوط بوناطيرو، الباحث في علوم الفلك والجيوفيزياء، بأنّه يعكف
منذ سنوات على دراسة علم التنجيم ومحاولة معرفة علاقته بحياة الإنسان،
ويقول في استنتاج عقلي بأنه مادامت لحركة الكواكب والنجوم علاقة بظواهر
طبيعية تحدث في الأرض، مثل علاقة حركة القمر بظاهرة المدّ والجزر التي تحدث
في البحار، ويُضيف "هذا الخلق مرتبط ببعضه وتحكمه علاقة سببية، لذلك فإنّ
وجود علاقة بين حركة الكواكب والنجوم والأبراج من جهة، وبين الإنسان من جهة
أخرى، أمر لا مناص منه، وما علينا سوى البحث وإعمال العقل". وبالعودة إلى
الأبراج، يقول بوناطيرو بأنّها أخذت تسمياتها من أشكالها التي خلقها الله
عليها، فبُرج السمكة سُمي كذلك لأننا إذا ربطنا بين النجوم التي تشكله نحصل
على شكل سمكة، وكذلك الأمر بالنسبة لبرج الميزان والجدي والدلو وباقي
الأبراج.
وقد عمد الإنسان إلى تقسيم السماء إلى أبراج من أجل تحديد حركة الكواكب
والنجوم وتوزيعها في السماء، وهنا يقول بوناطيرو "لسنا نعرف الأهداف
الحقيقية والعميقة التي دفعت الإنسان إلى تقسيم السماء على تلك الصورة،
لكنّني أؤكد بأننا فقدنا الكثير من علم التنجيم، والمقصود هنا ليس قراءة
الطالع والشعوذة والاطلاع على الغيب، وإنما المقصود هو تطبيقات ذلك العلم
على حياة الإنسان اليومية على الأرض" ويضيف "لقد كان لسيدنا نوح ـ عليه
السلام ـ معرفة كبيرة بعلم النجوم والكواكب، كما كانت لسيدنا إدريس ـ عليه
السلام ـ معرفة أكبر وهو من أكبر العارفين به، كما كان إبراهيم ـ عليه
السلام ـ عارفا بهذا العلم" .
وفي محاولة لتقريب الصورة بشأن هذا العلم، الذي ينفي بوناطيرو انقراضه،
لكنه يشدد على أنه علم لم يصلنا على صورته الحقيقية، وأن الجُهال
والمشعوذين قد أدلوا فيه بدِلائهم، فعكّروا صفوه، واختلط الصالح فيه
والنافع بالطالح الضار، مما جعله علما مشكوكا فيه تحيط به علامات استفهامات
كثيرة، يقول بأن الفلاحين كانوا يستخدمون معارفهم حول النجوم في ممارسة
نشاطهم وفي معرفة مواسم البذر ومعرفة مواقيت خاصّة بفلاحتهم، ويؤكد
بوناطيرو بأن الفلاحين والرعاة في الكثير من بَوادي العالم لايزالون
يعتمدون التوقيت الفلكي في حرفهم، مضيفا بأن ألمانيا تعتمد، إلى اليوم، على
الزمن الفلكي لرفع إنتاجها من المزروعات، وفي هذا السياق، تجدر الإشارة
إلى أن النبي يوسف ـ عليه السلام ـ استطاع أن يضمن لأهل مصر العيش الرغيد
خلال السنوات العجاف السبع، وذلك بفضل سياسة الزرع والسدود وتزويجه
الحيوانات بالاعتماد على الحسابات الفلكيّة، فكان يزوّج الحيوانات في
مواقيت تجعلها تُضاعف مواليدها من أربعة إلى ستة إلى ثمانية في السنة
الواحدة، ومنها ما توصل إلى أن يلد هذا العدد مرتين في السنة.
كما يقول بوناطيرو، في إشارة إلى مدى اطّلاع الإنسان على حركة الكواكب
والنجوم، بأن الفراعنة بنوا الأهرامات الثلاثة وفقا لموقع الدبّ الأصغر في
السماء، وهذا دليل، يضيف بوناطيرو، على أن الإنسان الذي كان قبلنا، استطاع
معرفة الكثير من الأشياء التي تتعلّق بمصيره وبحياته، وهو ما دفع محدّثنا
إلى أن يستدرك قائلا: "لا يجب أن نخادع أنفسنا بالقول إن لدينا من العلم ما
لم يكن لأسلافنا، كل ما لدينا هو تكنولوجيا وآلة، أما العلم فالعقل البشري
كان دوما في سعي إلى تحصيله، ولو كان عندنا علم متطوّر حقا، فلماذا لم نفك
لغز الأهرامات إلى اليوم وألغاز الكثير من إنجازات الذين خلَوا من قبلنا
من الأمم.. ويعود الدكتور بوناطيرو إلى حديث الرسول محمد ـ صلى الله عليه و
سلم ـ القائل: "كذب المُنجّمون ولو صدقوا" ليستنتج بأن هذا العلم يحمل في
طياته الصدق، لكنّه يستدرك بالقول: "عن أي نوع من التنجيم نتكلّم؟" لسنا
نريد التنجيم الذي يريد تعدّي حدود الله والاطلاع على الغيب، ولكننا نتحدث
عن التنجيم الذي له بالكواكب والنجوم وحركتها وعلاقتها بالحياة في الأرض.
وخلص المتحدّث إلى القول بأن الفرصة لم تُعط لعلم التنجيم حتى يُطوّر وتعرف
أسراره، وبالتالي تُكتشف أخطاؤه ومواضع الخلل والقوة فيه، فهو، يقول
بوناطيرو، "لم يخضع إلى الآن للبحث العلمي والدراسة، لذلك أصبح يمارسه
أشخاص لا علاقة لهم به، والنتيجة أنه الآن أمامنا وبين أيدينا دون أن
نستفيد منه، وكل ما نقوم به هو أن نصدر عليه أحكاما سلبية جاهزة" من جهة
أخرى، وصف الدكتور لوط بوناطيرو الفضائيات المتخصّصة في التنجيم وقراءة
الطالع بالمشعوذين، قائلا بأنهم يلبسون الحق بالباطل، حيث حرفوا هذا العلم
عن مواضعه الحقيقية والمتمثلة في خدمة الإنسان لا تعكير صفو حياته بأشياء
تخص مستقبله لا يعلمها إلا الله وحده، وليس لأحد أن يعلمها إلى بإذن منه،
وابتلاء منه.