كثير من الآباء والأمهات يعانون من مشكلات مع ابنائهم
وعادة تكون ردود أفعالهم سلبية ...
ياترى ماالحل ... مالطريقة نحو تربية أفضل الطفل يتمناه كل أب و أم ؟؟
أولاً: كيف نفهم عالم الطفل؟
يظن كثير من الآباء أن مجرد اجتهادهم في تلقين الطفل قيماً تربوية إيجابية،
كفيل بتحقيق نجاحهم في مهمتهم التربوية،
وعند اصطدام معظمهم باستعصاء الطفل على الانقياد لتلك القيم، يركزون تفسيراتهم على الطفل في حد ذاته،
باعتباره مسؤولاً عن ذلك الفشل ..!!
ولم يكلف أغلبهم نفسه مراجعة السلوك التربوي الذي انتهجه،
فأدى ذلك المآل إلى مزيد من توتير العلاقة بينهم وبين أبنائهم.
فأين يكمن الخلل إذن ؟
* هل في أبنائنا ؟
* أم فينا نحن الكبار ؟
* أم هو كامن في الوسط الاجتماعي العام ؟
وما هي تلك الحلقة المفرغة في العملية التربوية التي تجعل جهدنا في نهاية المطاف بغير ذي جدوى ؟
وباختصار:
كيف نستطيع تنشئة الطفل بشكل يستجيب فيه للقيم التربوية التي نراها، 'بأقل تكلفة' ممكنة ؟
هل نستطيع نحن الآباء أن نحول تربيتنا لأطفالنا من كونها عبأ متعباً ؟ إلى كونها متعة رائعة ؟
هل بالإمكان أن تصبح علاقتنا بأطفالنا أقل توتراً و أكثر حميمية مما هي عليه الآن ؟
هل نكون متفائلين بلا حدود إذا أجبنا عن هذه الأسئلة بالإيجاب ؟
ماذا لو جازفنا منذ البداية، وقلنا بكل ثقة:
نعم بالتأكيد نستطيع ؟
فتعالوا إذن لنرى كيف نستطيع فعلياً أن:
- نجعل من تربيتنا لأطفالنا متعة حقيقية.
- نجعل أطفالنا أكثر اطمئناناً وسعادة دون أن نخل بالمبادئ التي نرجو أن ينشؤوا عليها.
- نجعل علاقتنا بأطفالنا أكثر حميمية.
- نحقق أكبر قدر من الفعالية في تأثيرنا على أبنائنا .
السؤال المطروح بهذا الصدد هو:
إذا أردت أن تكون أباً ناجحاً، أو أن تكوني أمّاً ناجحة،
فهل عليك أن تضطلع بعلوم التربية وتلم بالمدارس النفسية وتتعمق في الأمراض الذهنية والعصبية ؟؟؟
بالطبع لا.
ما عليك إذا أردت أن تكون كذلك إلا أن ..
تفهم عالم الطفل كما هو حقيقة
وتتقبل فكرة مفادها:
أنك لست 'أباً كاملاً'
وأنكِ لستِ 'أمّاً كاملةً'...
فتهيء نفسك باستمرار كي تطور سلوكك تجاه طفلك،
إذ ليس هناك أب كامل بإطلاق ولا أم كاملة بإطلاق..
كما عليك أن ....
لا تستسلم لفكرة أنك 'أب سيء' وأنك 'أم سيئة'
فتصاب بالإحباط والقلق
فكما أنه ليس هناك أب كامل ولا أم كاملة على الإطلاق،
فكذلك ليس هناك أب سيء ولا أم سيئة على الإطلاق.
فالآباء تجاه التعامل مع عالم الطفل صنفان غالبان:
الصنف الأول:
يعتبر عالم الطفل نسخة مصغرة من عالم الكبار، فيسقط عليه خلفياته وتصوراته.
الصنف الثاني:
يعتبر عالم الطفل مجموعة من الألغاز المحيرة والطلاسم المعجزة، فيعجز عن التعامل معه.
إن عالم الطفل في الواقع ليس نسخة مصغرة من عالم الكبار، ولا عالماً مركباً من ألغاز معجزة.
بل هو عالم له خصوصياته المبنية على مفاتيح بسيطة
من امتلكها فهم وتفهم
ومن لم يمتلكها عاش في حيرته وتعب وأتعب
فما هي إذن مفاتيح عالم الطفل التي بها سنتمكن بها من فهم سلوكه وخلفياته على حقيقتها فنتمكن من التعامل الإيجابي معه ؟
هكذا نفهم عالم الطفل
لعالم الطفل مفاتيح، لا يدخله إلا من امتلكها، ولا يمتلكها إلا من تعرف عليها، وهي:
..:: المفتاح الأول ::..
الطفل كيان إنساني سليم وليس حالة تربوية منحرفة
أولى مفاتيح عالم الطفل، تكمن فيما ورد عن المربي الأول صلى الله عليه وسلم:
«ما من مولود إلا يولد على الفطرة»
ليس هناك من يجهل هذه المقولة، ولكن القليل منّا من يستطيع توظيف هذا الموقف النظري في تعامله مع الطفل:
لأن المتأمل في نوع التدخل الذي نقوم به تجاه سلوك أطفالنا يدرك مباشرة أننا نتعامل معهم على اعتبار أنهم حالة تربوية منحرفة يلزمنا تقويمها،
لا باعتبارهم كيانا إنسانياً سليماً، كما يقتضيه فهمنا لمعنى 'الفطرة' الوارد في الحديث الشريف.
فنعمل بمقتضى ذلك المفهوم المنحرف على الوقوف موقفاً سلبياً ومتسرّعاً تجاه أي سلوك لا يروقنا ولا نفهمه، فنحرم بذلك أنفسنا من الانسياب إلى عالم الطفل الممتع والجميل.
إنّ الإيمان بأن كل مولود يولد على الفطرة ليس مسألة حفظ بالجنان وتلويك باللسان، بل هو تصور عقدي ينبني عليه التزام عملي تربوي ثابت.
فالانحراف عن هذا التصور يجعل سلوكنا تجاه أبنائنا منذ البداية محكوما عليه بالفشل الذريع.
إذ إنه من مقتضيات الإيمان بولادة الإنسان على الفطرة:
الاعتقاد بأن الله تعالى قد منح الطفل من الملكات الفطرية والقدرات الأولية ما يؤهله ليسير في رحلته في هذه الدنيا على هدى وصواب،
وبذلك التصور سيتحدد نوع تدخلنا في كيانه، والذي يتجلى في وظيفة محددة هي:
الإنضاج والتنمية، لا التقويم والتسوية،
أي ستقتصر وظيفتنا تجاه الطفل على تقديم يد المساعدة للطفل حتى ينضج تلك الملكات وينمي تلكم القدرات.
بل إن من مقتضيات توظيف هذا الحديث النبوي الشريف أنه حينما نلحظ انحرافاً حقيقياً في سلوك الطفل، فعلينا أن نراجع ذواتنا ونتهم أنفسنا ونلومها ونحاسبها، لأننا سنكون نحن المسؤولين عن تحريف تلك الفطرة التي وضعها الله تعالى بين أيدينا أمانة سوية سليمة، فلم نحسن الحفاظ عليها، ولم نؤد حقها على الوجه المطلوب..
وبذلك سوف نشفى من أعراض النرجسية التي تصيب معظم الآباء، حيث سنتمكن من تطوير ذواتنا باستمرار عن طريق عرضها على ميزان النقد والتقويم.
فالطفل كيان إنساني سليم وليس حالة تربوية منحرفة
..:: المفتاح الثاني ::..
الواجب عند الطفل يتحقق عبر اللذة أساساً وليس عبر الألم
نعم إن خوف الطفل من الألم قد يجعلك تضبط سلوكه ولو لفترة معينة، ولكنك لن تستطيع التعويل باستمرار على تهديده بالألم إذا كنت تريد أن تبني في كيانه قيمة احترام الواجب والالتزام به.
كما لن يمكنك تفادي الآثار السلبية لما يحدثه الألم في نفسه وشخصيته،
لا تنتظر من الطفل أن يقوم بما عليه القيام به من تلقاء نفسه وبشكل آلي، بل وحتى بمجرد ما تأمره به
والسبب هو أن مفهوم الواجب عنده لم ينضج بعد، وهو من المفاهيم المجردة التي ينبغي تنشئة الطفل عليها بشكل تدريجي.
فحينما تأمره أن يقوم بإنجاز تمارينه المدرسية مثلاً، فإن استجابته لك لن تتحقق ما لم تربطها بمحفز يحقق له متعة منتظرة، مثل الوعد بفسحة آخر الأسبوع أو زيارة من يحبه... حتى يرتبط فعل الواجب لديه باستشعاره للمتعة التي سوف يجنيها.
فيكون الهدف هو أن يصبح الطفل متعلقاً بفعل الواجب قدر تعلقه بتحقيق تلك المتعة
وما يدعم ذلك هو أن الطفل أثناء تنفيذه للواجب، فإنه يفعل ذلك بمتعة مصاحبة
كأن يغني وهو يكتب،
أو يقفز على رجل واحدة و هو ذاهب لجلب شيء ما..
و على أساس هذا الاعتبار تأسست مدارس تعليمية، تعتمد اللعب وسيلة أساسية لتعليم الصغار.
ويعتقد بعض الآباء أن ربط الواجب بالمحفزات، وخاصة المادية منها، سوف يوقعهم في تدليل أبنائهم.
وهو ما نعتبره خلطاً في المفاهيم قد يقع فيه الكثير، وبكلمات سريعة موجزة نقول: إن الدلال هو منح المتعة بدون ربطها بالقيام بالواجب، وغالبا ما يكون تقديم تلك المتعة استجابة لابتزاز يمارسه الطفل على والديه، بل هي أحياناً منح المتعة مقابل اقتراف الخطأ، وذلك انحراف كبير في السلوك التربوي تجاه الأبناء.
وما نتحدث عنه نحن بهذا الصدد مخالف كما ترى لهذه الصورة.
إن تفهم هذا الأمر عند الطفل سيجعل تعاملنا معه أثناء إلزامه بفعل الواجب تعاملاً إيجابياً وخالياً من التوتر
فالواجب عند الطفل يتحقق عبر اللذة أساساً وليس عبر الألم
..:: المفتاح الثالث ::..
الزمن عند الطفل زمن نفسي وليس زمناً اجتماعياً
نعتمد نحن الكبار في تحديد الزمن على ما تعارفنا عليه من وسائل، تطورت عبر العصور إلى أن وصلت إلى الزمن الكرونولوجي، الذي يعتمد اليوم على الأجزاء المجزأة من الثواني، وهو في كل مراحله يُعتَبر زمناً اجتماعياً.
في حين أن مفهوم الزمن عند الطفل هو أيضاً من المفاهيم المجردة التي يلزمه وقت كاف لاستيعابها والانضباط إليها والعمل ضمنها.
والزمن الوحيد الذي يعمل الطفل وفقه هو :
الزمن الذي يحسه هو حسب متعته أو ألمه
فإذا كان مستغرقاً في اللعب، مثلاً، فإنه يعتقد في قرارة نفسه أن الكون كله سيتوقف احتراماً لتمتعه بعمله ذاك، فلا حق لأي كان حسب إحساسه أن يشوش عليه متعته تلك.
ولذلك سنتكفي بالتأكيد على ضرورة استحضار هذا الأمر أثناء إلزام الطفل القيام بواجب ما في وقت ما، وذلك بمساعدته للخروج تدريجيا من زمنه النفسي إلى زمنك الاجتماعي.
فإذا كان مستغرقاً في اللعب مثلاً، وكان عليه أن ينتهي منه على الساعة الخامسة لينجز واجباً ما، وما عليك إلا أن تنبهه إلى ذلك قبل الموعد بعشر دقائق على الأقل، وإذا كان لديك الوقت الكافي أن تشاركه فيما يقوم به، حتى تدخل معه زمنه النفسي ثم تخرجه منه شيئاً فشيئاً.
فالزمن عند الطفل زمن نفسي وليس زمناً اجتماعياً