علوم الفلك والفضاء
(نبذة تاريخية)
إن لعلوم الفلك والفضاء فى الدول العربية تاريخ مشرف ، فلقد ربط قدماء العلماء العرب والمسلمين بين السماء والأرض فى معتقداتهم المعيشية ولقد اعتبروا الشمس والقمر أزليان. كما رصدوا الكوكبات النجمية (Constellations) ورمزوا لها برموز مديريات القطر المصرى ومدته مثل برج الحوت الذى رمزوا له ببلده إسنا ، وكوكب المشترى الذى رمزوا له بأرمنت ولكوكب الزهرة بدندرة ولبرج الحمل بطيبة .. الخ ، وتدل البروج النجمية التى يحلى بها سقف مبعد دندرة الموجودة حالياً فى متحف اللوفر بفرنسا على دراية الفراعنة الكبيرة فى تتبع ودراسة الأجرام السماوية كما أنهم عنوا بدراسة الحركة الظاهرية للشمس على صفحة السماء حيث تدل أثارهم ( مثل الأهرامات ، والمعابد التى تدخلها الشمس فى أوقات محددة خلال العام مثل معبد أبو سمبل وغيره ) على معرفتهم الدقيقة بالمسار الظاهرى للشمس على صفحة السماء خلال العام.
ولقد ابتكر الفراعنة تقويما فلكيا متطورا اتخذوا فيه السنة النجمية وحدة أساسية لقياس الزمن حيث حددوا طول السنة 365 يوما . ومنها ابتكروا السنة المدينة التى نطبقها فى حياتنا اليومية وقسموها إلى أثنى عشر شهرا كل منها 30 يوما يضاف إليها فى نهاية العام خمسة أيام نسئ تقام فيها أعيادهم . ويعتبر التقويم المصرى القديم أساسا لكل التقاويم الحديثة التى نستخدمها اليوم .
ومن المعتقد أن اليونانيين قد أخذوا عن قدماء المصريين مبادئ العلوم ومنها الأرقام العشرية وعمليات الكسور ونظريات المتواليات الهندسية وفكرة الساعات المائية والمزولة وأسباب بعض الظواهر الفلكية.. الخ. ولقد نوه المؤرخ الشهير هيرودوت على احتمال أن علم الهندسة قد تم اكتشافه فى مصر، كما يؤكد غيره من المؤرخين هذه الحقيقة.
ومن العلامات البارزة والمضيئة فى تاريخ علوم الفلك والفضاء فى مصر تأتى مدرسة الإسكندرية التى تأسست واشتهرت خلال الفترة ما بين 332-250 قبل الميلاد . فلقد أصبحت مدينة الإسكندرية آنذاك قبلة للعلماء فى الرياضيات والفلك بعد أن أقيم بها متحفا يحوى مكتبة ومرصدا فلكيا لرصد الأجرام السماوية . ومن أبرز علماء مدرسة الإسكندرية إراتوسوثينز الذى قام بقياس محيط الكرة الأرضية وكذلك العالم سوسجنز الذى ابتكر فكرة السنة الكبيسة ، والعلامة بطليموس الذى ألف كتاب المجسطى الذى تألف من 13 جزءا شرحت فيها نظريات القمر والشهر القمرى وحركة الكواكب وظواهر الكسوف والخسوف وتقهقر الاعتدالين الربيعى والخريفى بالإضافة إلى الكثير من المفاهيم والأسس الفلكية التى كانت سائدة فى ذلك الوقت . ولقد ظل كتاب المجسطى إنجيلا للعلوم طيلة عشر قرنا منذ أن ألفه العلامة بطليموس .
ولقد أدى ظهور الإسلام إلى انتقال الفكر الإنسانى من ظلمة الجهالة إلى نور الحق واليقين ، الأمر الذى أدى إلى الاهتمام بالعلوم كأساس للتفكر فى ملكوت الله ، وازداد الاهتمام بأحوال العلم خلال العصر العباسى عن طريق الاهتمام المتزايد بحركة الترجمة حيث ترجم كتاب المجسطى لبطليموس الذى شغف العرب به ، واعتنقوا ما جاء به من نظريات ، وأعادوا قياس ورصد ما جاء به من نظريات وبيانات وأرصاد . كما أنشئ بيت الحكمة فى بغداد وألحقت به مكتبة كبيرة ومرصدا فلكيا . وانتشرت المراصد فى ربوع الإمبراطورية الإسلامية . وظهر علماء مرموقين فى مجال الرياضة والفلك مثل الخوارزمى والكندى والبتانى والبيرونى . وأنشأ الفاطميون الذى وصلوا إلى مصر عام 969م واستقر حكمهم بها مدة قرنين من الزمان مرصدا على جبل المقطم ، إدارة العالم المصرى الكبير أبو الحسن بن يونس، الذى قام بأعداد جداول فلكية حديثة لنجوم السماء عرفت بالزيج الحاكمى ، الذى اشتهر بدقته واحتل مكان الصدراة فى الشرق والغرب . وكان مرصد بن يونس جزءا من دار الحكمة التى أقامها الفاطميون فى مصر عام 1000 ميلادية . ومن المراصد التى أقامها الفاطميون بمصر مرصد جامع الجيوشى ومرصد المأمون بباب النصر .
وفى الثلث الأول من القرن التاسع عشر بدأت فترة الفلك المعاصر فى مصر حيث أنشأ محمد على باشا مرصد بولاق فى عام 1839 ، ثم نقل مرصد بولاق إلى العباسية بأمر الخديوى إسماعيل باشا سنة 1865 م وذلك فى الموقع المعروف بميدان الرصد خانه ، حيث زود المرصد بمنظار عدسى 10بوصة ، تم تثبيته فى عام 1872م . واستوجب الأمر نقل مرصد العباسية إلى حلون خلال الفترة 1899-1901 نظرا لتأثر الأرصاد والتسجيلات فى مرصد العباسية بالتلوث الضوئى والتشويش الكهربى لمدينة القاهرة . وزود مرصد حلوان آنذاك بمنظار عاكس قطره 30 بوصة أهداه أحد هواه الفلك البريطانين ( مستر رينولدز ) لمصر فى عام 1905 لإعجابه الكبير بظروف الرصد الفلكى فى حلوان ، التى كانت ضاحية صغيرة لا يتجاوز تعدادها الخمسة آلاف نسمة وتتميز بصفاء الجو وجفافه .
وبذلك دخلت مصر من أوسع الأبواب فى مجال الرصد الفلكى عند الأعماق الكونية الكبيرة ، وباستخدام أحد المناظير الكبيرة الفلكية القوية نسبيا وهو منظار 30 بوصة الذى كان يعتبر واحدا من المناظير الكبيرة فى العالم ، أحدها ركب فى جامعة كيمبردج بإنجلترا ، والثانى فى مرصد حلوان والثالث فى جنوب أفريقا والرابع فى استراليا . ولقد ساهم منظار 30 بوصة بحلوان فى المشاركة فى البرامج الدولية لرصد الكواكب والنجوم والسدم قرابة نصف قرن من الزمان ، أكتسب خلالها شهرة دولية بفضل صفاء الجو وموقعه الجغرافى المتميز . ومن أهم الأرصاد التى تمت ، رصد مذنب هالى فى عام 1910 وكذلك رصد كوكب بلوتو عند اكتشافه فى عام 1930م .
ومع تطور الدراسات الفلكية بتطور التكنولوجيا ومع تعطش الإنسان إلى معرفة المزيد عن الكون المحيط به. لم يعد منظار 30بوصة كافيا لسبر أغوار الكون السحيقة . وكان من الضرورى إنشاء منظار أقوى فى مصر . هذا ما تقرر فى أعقاب زيارة الملك فاروق لمرصد حلوان فى عام 1948 ، حيث بدأت الأعمال اللازمة لإقامة منظار 74 بوصة بعد قيام الثورة فى عام 1952 . وكان لزاما البحث عن موقع صالح من الوجهة الفلكية لهذا المنظار الكبير خاصة بعد ما أصبحت منطقة حلون قلعة صناعية ، الأمر الذى قلل من كفاءة الرصد الفلكى بها .
ولهذا السبب أقيم منظار 74 بوصة على ربوة بجبل القطامية ارتفاعها 470 متر فوق سطح البحر وعلى بعد حوالى 70 كم إلى الشمال الشرقى من حلوان . وتم الانتهاء من الإنشاءات اللازمـة وإقامـة المنظار وتركيبه حيث بدء العمل به خلال الفترة 1963-1964م . ومن أشهر الأعمال التى شارك فيها العلماء المصريين باستخدام منظار القطامية إجراء الأرصاد والدراسات المكثفة لسطح القمر وعمل نموذج مجسم لسطح القمر مهد لإنزال مركبات فضائية على أنسب المواقع من سطح القمر . ولقد كللت هذه الدراسات بهبوط أول إنسان على القمر من خلال مشروع أبوللو فى عام 1969 . هذا بالإضافة إلى رصد مذنب هالى بعد عودته للظهور فى سماء القاهرة خلال الفترة 1985-1986م.
وفى مجال الأرصاد الشمسية تم تجميع وتشغيل أول منظار شمسى أفقى خلال الفترة 1957-1961م وزودت المحطة الشمسية بعد ذلك بمنظار عدسى من النوع كودية عام 1964 ، الأمر الذى مهد للمشاركة فى متابعة الظواهر الشمسية ودراسة تأثيراتها على الأرض وغلافها الجوى ضمن البرامج الدولية المخصصة لهذا الغرض .
ودخلت مصر مجال الدراسات الفضائية المتعلقة برصد وتتبع الأقمار الصناعية منذ إطلاق أول قمر صناعى روسى فى عام 1957 ، حيث تم استخدام مناظير محمولة خاصة فى ذلك الوقت ، ثم تلى ذلك إقامة كاميرات فوتوغرافية ورادارات ليزر لتحديد مواقع وأبعاد الأقمار الصناعية على الأبعاد المختلفة من الأرض ، وذلك منذ عام 1968وحتى الآن.
منقول للفائده